مسجد الرأس
img-load

مسجد الرأس‌(1).


ومن الآثار التاريخية المهمّة في الصحن الشريف الباقية من القرن السابع الهجري حتى اليوم هو مسجد الرأس. يقع هذا المسجد في الجهة الغربية للسور الخارجي الغربي لمشهد أمير المؤمنين عليه السّلام يفصل بينه وبين

الحضرة المطهّرة "الساباط" الممتد مع الحضرة من الشمال إلى الجنوب.


وصف بناء المسجد


المسجد مستطيل الشكل من الشرق إلى الغرب، يتوسّطه صحن كبير متّسع، وعلى جانبي الصحن من الجهتين الشمالية والجنوبية يوجد إيوانا بهما كثير من الأعمدة المقطوعة من حجر المرمر.

وبالكشف على جدران المسجد، وجد أنّها من نفس النوع والحجم الذي بني به جدران المشهد الخارجية، كما أنّ الأجزاء الملاصقة لسور المشهد تدلّ دلالة واضحة على أنّها بنيت مع الحرم العلوي(2).


تاريخ بناء المسجد


إذا كانت مباني المشهد المقدّس الحالية ليس بها ما يدلّ على آثار عمارة الإيلخانيين نظرا للتجديدات والتغييرات التي قام بها الصفويّون بعدهم، فإنّه توجد إذا كانت مباني المشهد المقدّس الحالية ليس بها ما يدلّ على آثار عمارة

الإيلخانيين نظرا للتجديدات والتغييرات التي قام بها الصفويّون بعدهم، فإنّه توجد


بعض العمائر التي ما تزال ملتصقة بالمشهد من الجهة الغربية، مثل هذا المسجد الذي يعرف الآن باسم"مسجد الرأس"، و كان يعرف أيضا عند الإيرانيين في النجف بـ"مسجد زير دالان"أي جامع تحت الساباط، أو"جامع سر".

والمسجد متّسع الأرجاء يكون أكبر المساجد الموجودة بالسور الخارجي للصحن.


قيل: إنّ غازان ملك التتار حينما جاء زائرا مرقد أمير المؤمنين عليه السّلام سنة 698 هـ، أمر أن يبنى مسجد على الموضع المعروف قديما بموضع رأس الحسين عليه السّلام، وإنّهم أقاموا لبنائه سنة كاملة ضاربين خيامهم في الصحراء بين النجف و مسجد الحنّانة في الثويّة حتى أكملوه، و عرف هذا المسجد بعد و إلى يومنا هذا بمسجد الرأس(3).

وجاء في كتاب"مشهد الإمام علي": أكّد لنا رجوع هذا المسجد إلى عهد الإيلخانيين القاشاني الذي عثر عليه في محراب المسجد، و كذا البلاطة التي تعلو مستطيل المحراب. فنستطيع أن نقول: إنّ محراب مسجد الرأس يرجع إلى النصف الثاني من القرن السابع الهجري أو أوائل القرن الثامن، و على ذلك فإنّ المسجد يرجع إلى ذلك التاريخ على أقلّ تقدير، و بما أنّ المسجد يعتبر من المباني الملحقة بمشهد الإمام علي عليه السّلام، لهذا فإنّنا نؤيّد الرأي القائل بأنّ العمارة السادسة من عمل الإيلخانيين، و إنّ بعض آثارها ما تزال باقية في مسجد الرأس(4).

تجديد وترميم المسجد


والمبنى الحالي للمسجد جدّد ورمّم عدّة مرات، فقد جدّد في عهد الشاه عباس الأول عند تعميره الروضة والقبّة المطهّرة والصحن الشريف. كما جدّد في عهد نادر شاه الأفشاري وهو التجديد الأخير، وذلك عند ما قام بتذهيب القبّة والمأذنتين  و الإيوان الشرقي الكبير سنة 1156 هـ.


وفي "تاريخ نادري": بذلت رضيّة سلطان بيگم بنت الخاقان شاه حسين وزوجة نادر شاه عشرين ألف نادري لعمارة مسجد الجامع الذي في جانب الرأس الشريف(5).

وفي "أحسن السير": أرسلت رضيّة بيگم البسط الفاخرة لأجل الحرم الشريف، حملها عشرون جملا، وتمّ التعمير سنة 1157 هـ.(6).


ويقال: إنّه شيّد ثانيا في أيام الحجّة السيّد محمد مهدي بحر العلوم النجفي المتوفى سنة 1212 هـ و بأمره، و إنّه كان يقول لبعض خواصّه: إنّه موضع رأس الحسين عليه السّلام و إنّ المسجد بني عليه و لأجله(7).

كما رمّم مسجد الرأس أيضا في عهد السلطان عبد الحميد، و طليت جدرانه الداخلية بالطلاءات الزيتيّة، و صنع له منبر من الرخام الأبيض الجميل، و قد دوّن على باب المسجد تاريخ هذا الإصلاح، جاء فيه: حرّر في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام سنة 1306 هـ.، وفي سنة 1368 هـ اقتطع من الطرف الغربي للمسجد حدود سبعة أو ثمانية أمتار و أضيف إلى الشارع العام المحيط بالصحن الشريف.


آثار مسجد الرأس‌


يتكوّن محراب المسجد من بلاطتين مستطيلتين من القاشاني تبلغ مساحتهما 59 سم عرضا و139 سم طولا، وتتكوّن زخارف المحراب من نقوش نباتيّة وكتابة بارزة على أرضيّة من البريق المعدني، ويتدلّى من العقد الذي يعلوه رسم قنديل بارز، ويحيط بالمحراب إطاران من الكتابة بالخطّ النسخي البارز. يتكوّن نصّ الإطار الداخلي من

قوله تعالى: بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ* آمَنَ اَلرَّسُولُ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللََّهِ وَ مَلاََئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لاََ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قََالُوا سَمِعْنََا وَ أَطَعْنََا غُفْرََانَكَ رَبَّنََا وَ إِلَيْكَ اَلْمَصِيرُ 285 `لاََ يُكَلِّفُ اَللََّهُ نَفْساً إِلاََّ وُسْعَهََا لَهََا مََا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهََا مَا اِكْتَسَبَتْ . وفي وسط المحراب، داخل ساحة العقد توجد تكملة الآية الشريفة:وَ عَلَيْهََا مَا اِكْتَسَبَتْ رَبَّنََا لاََ تُؤََاخِذْنََا إِنْ نَسِينََا أَوْ أَخْطَأْنََا رَبَّنََا وَ لاََ تَحْمِلْ عَلَيْنََا إِصْراً كَمََا حَمَلْتَهُ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنََا رَبَّنََا وَ لاََ تُحَمِّلْنََا مََا لاََ طََاقَةَ لَنََا بِهِ وَ اُعْفُ عَنََّا وَ اِغْفِرْ لَنََا وَ اِرْحَمْنََا أَنْتَ مَوْلاََنََا فَانْصُرْنََا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكََافِرِينَ(8).


أمّا الإطار الخارجي فيحتوي على أجزاء غير متّصلة من الآيات رقم 188، 191، 192 من سورة آل عمران، أمّا الدائرة التي تعلو عقد المحراب فتحتوي على: اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيمُ* .

روى شيخنا الحجّة محمد حرز الدين، عن الشيخ ميرزا هادي بن إسماعيل الخراساني، عن الوجيه السادن السيّد داود الرفيعي، عن أبيه، عن آبائه: أنّ في المسجد الغربي المتّصل بالساباط إيوان صغير مربّع في الجدار القبلي بين محراب المسجد و الساباط، فيه قبر عليه شبّاك فولاذ ثمين، و له باب صغير فيه قفل، هو قبر موضع رأس الحسين بن علي عليهما السّلام، و إنّ السيّد داود المذكور أوقف الحافظ الراوي الميرزا هادي الخراساني على القبر، و كانت عليه قطعة ستار خضراء، و إلى جانب هذا الإيوان صخرة مربّعة بخطّ كوفي.


وقال شيخنا رحمه اللّه: دخلت إلى المسجد من بابه الأوّل يوم 23 من ذي الحجّة سنة 1351 هـ فنظرنا إلى رسم القبر المذكور فلم نجد شيئا سوى صخرة على الجدار القبلي طولها أكثر من ذراع يد و عرضها ذراع، مكتوب عليها مستديرا آيات من القرآن الكريم، منها قوله: آمَنَ اَلرَّسُولُ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ، و في وسطها سطر كوفي تقريبا(9).

المصدر: تاريخ النجف الأشرف ، عبد الرزاق حرز الدين ج1 ص387.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. معارف الرجال: 2/366.
  2. مشهد الإمام علي في النجف: 134.
  3. معارف الرجال: 3/272.
  4. مشهد الإمام علي في النجف: 134، 136.
  5. تاريخ نادري (فارسي) : 237.
  6. أحسن السير (فارسي) : 74.
  7. أوردنا تحت عنوان "مقامي الإمام الصادق" ما أخرجه ابن قولويه، و الشيخ الطوسي، و ابن طاووس، من أحاديث تشير إلى أنّ رأس الحسين عليه السّلام اقبر في النجف قرب مرقد أمير المؤمنين عليه السّلام، فلاحظ.
  8. سورة البقرة: الآية 285-286.
  9. معارف الرجال: 3/241. وجاء في الهامش: كانت الإسماعيلية من الهنود تزور هذا القبر، بل ترى‌