النجف وسبب تسميتها
img-load

النجف في اللغة 

النجف و النجفة بالتحريك، مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد، و الجمع: نجاف.

والنجاف أيضا: العتبة، وهي أسكفة الباب(1).

 

والنجف بالتحريك، هو بظهر الكوفة كالمسناة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة و مقابرها(2).

 

والنجفة بالتحريك، تكون في بطن الوادي شبه جدار ليس بعريض له طول منقاد من بين معوج ومستقيم لا يعلوها الماء و قد يكون في بطن الارض. و قد يقال لأبط الكثيب: نجفة الكثيب، و هو الموضع الذي تصفقه الرياح فتنجفه فيصير كأنّه جرف منخرق(3).

 

و قال ابن سيده: النجف والنجاف شيء يكون في بطن الوادي شبيه بنجاف الغبيط جدّا، و ليس بحدّ عريض، له طول منقاد من بين معوجّ ومستقيم الماء.

والنجفة شبه التل(4).

و كان ظهر الكوفة يقال له اللّسان و في قول العرب: أدلع البرّ لسانه في الرّيف فما كان يلي الفرات فهو الملطاط وما كان يلي الظهر فهو النّجاف(5).

 

و قال ابن شميل: «النجاف»الذي يقال له الدوارة، و هو الذي يستقبل الباب من أعلى الأسكفة، و النجاف: العتبة، و هي أسكفة الباب. و في الحديث: «فيقول: أي رب، قدّمني إلى باب الجنّة فأكون تحت نجاف الجنّة». قيل: هو أسكفة الباب(6).

 

و قال الأندلسي: و>النجف»-بلا هاء-موضع معروف بالكوفة. قال الكميت:

 

فياليت شعري هل ابصّرنّ ... بالنجف الدهر حضّارها(7)

سبب تسمية النجف

 

ينقل صاحب كتاب تاريخ النجف الأشرف للمؤلف عبد الزراق حرز الدين بعد استقصائنا للمصادر وجدنا أنّ هناك ثلاثة أقوال منقولة في سبب تسمية هذه البقعة من الأرض بالنجف، و سنعرض لرأيين آخرين:

 

١. روى الشيخ الصدوق بسند واه عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السّلام، قال: إنّ النجف كان جبلا عظيما و هو الذي قال ابن نوح: (سَآوِي إِلىََ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ اَلْمََاءِ)(8) و لم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه، فأوحى اللّه عز و جل إليه: «يا جبل أيعتصم بك منّي»، فتقطّع قطعا قطعا إلى بلاد الشام، و صار رملا دقيقا، و صار بعد ذلك بحرا عظيما.

 

و كان يسمى ذلك البحر بحر«ني»ثمّ جفّ بعد ذلك فقيل: «ني جف»فسمّي بـ>نيجف»ثمّ صار بعد ذلك يسمونه»>نجف»لأنّه كان أخفّ على ألسنتهم(9).

 

و قال العاصمي في قوله تعالى: قََالَ سَآوِي إِلىََ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ اَلْمََاءِ يعني به النجف جبلا لم يكن على وجه الأرض أعظم منه ارتفاعا، فأوحى اللّه إليه أيعتصم بك منّي فتقطّع الجبل و صار رملا دقيقا و انخفض مكانه، فصار بعد أن نضب الماء بحرا فسمّي ذلك البحر(ني) ثمّ جفّ بعد ذلك فقيل«ني جف»فخفّفه الناس «نجف»(10).

 

و قد أشار الدكتور مصطفى جواد إلى هذه الرواية بقوله: و هناك من الأخبار التي توردها بعض الكتب الدينية و التي يتناقلها الناس عن بحر النجف و هو أنّه كان يسمّى بـ«بحر النّي»فلمّا جفّ»النّي»على حدّ قولهم، قالوا: «النّي جف»ثمّ ما لبثت الياء أن سقطت في الاستعمال تخفيفا فصارت«نجفا»و من هنا جاء اسم«النجف<.

 

ثمّ قال: و مثل هذا الخبر و الرواية التي أوردتها بعض الكتب تفتقر إلى كثير من الأدلّة لتصبح مقبولة(11).

 

أقول: إنّ وجه تسمية النجف بهذا المعنى أو ما يقاربه لم ينحصر بالكتب الدينية، فقد ذكر العلاّمة أبو المظفر سبط ابن الجوزي عند وصف الفرات ما يعضده ــ و هو القول الثاني في سبب التسمية.

 

٢. عن سبط ابن الجوزي: يقال إنّ اسم هذا المكان»نج»و كانت الحيرة يستقون منه الماء.

فأصبحت امرأة لتستقي فرأته يابسا، فقالت: «نج جف». ثمّ خفّفوه، فقيل: «نجف»(12).

 

٣. قال ابن شهر آشوب: زعم أهل العراق في حديث النجف إنّه كانت بحيرة تسمّى «إن جف»من كثرة خريرها، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «أن جف»، فسمّي النجف(13).

 

٤. و المرجّح أنّ أحد المعاني اللغوية العربية لكلمة>النجف»هو المرجع في تسمية النجف بهذا الاسم، و ذلك لشكل أرض النجف الطبيعي المرتفع عمّا حولها و المطل على ساحل بحر النجف القديم، و قد ذكرت كتب اللغة أنّ النجف: مكان لا يعلوه الماء مستطيل منقاد(14).

 

أو هو: علوّ من الأرض و غلظ(15).

والنجف: غلظ في الأرض مرتفع و به سمي هذا الموضع(16).

 

٥. و قد يظهر أنّ السبب في هذه التسمية هو معنى آخر من المعاني اللغوية لكلمة النجف، و ذلك لموقع أرض النجف الجغرافي بين السهل الرسوبي و الهضبة الصحراوية، و الذي يشبه في موقعه إلى حدّ كبير عتبة الباب كحدّ فاصل بين مكانين خارجي و داخلي، و قد ورد في اللغة أنّ النجف أو النجاف تعني»أسكفة الباب»أي عتبة الباب العليا(17)، فالنجف تعني>عتبة الصحراء»أو >عتبة أرض العراق»، و لعلو موقع النجف اختصّ بهذا الاسم تمييزا له عن غيره من المنافذ المؤدّية من و إلى أرض العراق.

 

ويدعم هذا المعنى ما ورد في نصوص تاريخية لا تحصى أنّ أرض النجف كانت محلاّ لتلقّي الركبان حين ورودها أرض العراق، و لتوديع المسافر و الحاج.

 

قال الطبري في أحداث سنة ٢٣٦ هـ: و فيها حجّ محمد المنتصر و حجّت معه جدّته شجاع أمّ المتوكّل فشيّعها المتوكّل إلى النجف(18).

 

أخرج الخطيب البغدادي: عن بشر بن الحارث، قال: كان أبو جعفر الرازي صديقا لسفيان الثوري، و كان له معه بضاعة، و كان يكثر الحج، فكان إذا قدم الكوفة تلقّاه سفيان إلى القنطرة، و إذا خرج إلى مكة شيّعه إلى النجف(19).

وأخرج ابن أبي شيبة: عن إبراهيم، قال: كان علقمة إذا خرج حاجّا أحرم من النجف، و قصّر(20).

 

وأخرج محمد بن الحسن الشيباني: عن إبراهيم، أنّ ابن مسعود رضي اللّه عنه ردّ المتوفى عنهنّ أزواجهن من ظهر النجف. كنّ خرجن حجّاجا في عدّتهن(21).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحاح: ٤/١٤٢٩.

(2) معجم البلدان: ٥/٢٧١.

(3) معجم البلدان: ٥/٢٧١.

(4) المخصص: ١٤/٢٥.

(5) عيون الأخبار: ١/٢١٨.

(6) لسان العرب: ٩/٣٢٣.

(7) معجم ما استعجم: ٤/١٢٩٩.

(8) سورة هود: الآية ٤٣.

(9) علل الشرايع: ١/٣١.

(10) سمط النجوم العوالي: ١/١٤٩.

(11) موسوعة العتبات المقدّسة (قسم النجف) : ١/١٢.

(12) مرآة الزمان في تاريخ الأعيان: ١/٣.

(13) مناقب آل أبي طالب: ٢/١٥٧.

(14) الصحاح: ٤/١٤٢٩. المخصّص: ١٤/٢٥.

(15) الجبال و الأمكنة و المياه: ١٤٤.

(16) فصل المقال في شرح كتاب الأمثال: ١/٤٥٣.

(17) لسان العرب، و القاموس المحيط: مادة (نجف).

(18) تاريخ الطبري: ٧/٣٦٦.

(19) تاريخ بغداد: ١١/١٤٧.

(20) المصنف: ٢/٣٣٤.

(21) كتاب الآثار: ١/١٤٢.