أسماء مدينة النجف الأشرف
img-load

ورد في التاريخ و الأثر أنّ للنجف أسماء كثيرة، منها ما تعمّ موضعه، و منها أسماء تندرج فيها مواضع خاصة منه، وهي:

 

أولا: الغــري

الغريّان بناءان طويلان يقال هما قبر مالك و عقيل نديمي جذيمة الأبرش أحد ملوك الحيرة، كما سيأتي الكلام عنهما في المواضع العامة في النجف. و إنّما ذكروا الغري مفردا، أو كنّوا عن التثنية بالواحد، لأسباب:


الأول: إنّ التسمية جاءت من هدم أحد الغريين، فقد ورد أنّ المنصور الدوانيقي أمر بهدم أحد الغريّين لكنز توهّم أنّه تحتهما فلم يجد شيئا(1).

ومرّ معن بن زائدة الشيباني بالغريّين فرأى أحدهما وقد شعث وهدم، فأنشأ يقول:

 

لو كان شيء له أن لا يبيد على . . . طول الزمان لما باد الغريّان

 

ففرّق الدهر و الأيّام بينهما . . . وكلّ إلف إلى بين و هجران(2)

 

الثاني: طلبا للخفّة، و من ذلك قول عزّ الدين بن أبي الحديد المعتزلي في عينيّته:

 

يا برق إن جئت الغري فقل له . . . أتراك تعلم من بأرضك مودع

 

فيك ابن عمران الكليم و بعده . . . عيسى يقفّيه و أحمد يتبع

 

 

الثالث: إنّما قيل للنجف (الغري) لحسنه لأنّ الغري في اللغة هو الحسن من كلّ شيء حتى قالت العرب: (هذا رجل غريّ الوجه) إذا كان حسنا مليحا(3) وللسبب ذاته كانت العرب تسمّي النجف في الجاهلية (خدّ العذراء) لأنّه ينبت الخزامى و الأقحوان والشيح والقيصوم والشقائق التي حماها النعمان بن المنذر فنسبت إليه(4).

 

ثانيا: المشهد

(المشهد): المجمع من الناس، والمشهد: محضر الناس. ومشاهد مكّة: المواطن التي يجتمعون بها(5). و(المشهد) من أسماء النجف الأشرف، لاجتماع الناس عند مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).


وغير خفي أنّ مراقد الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) كلّها مشاهد لهم، يحضر فيها الزائرون من جميع الأقطار القريبة و البعيدة. إلاّ أنّ استعمال المشهد في حرم علي (عليه السلام) أكثر وأشهر وأظهر الأفراد من أقدم العصور.

ومن قال باختصاص المشهد في الحرم العلوي فهو غير حايد عن العرف العام.


قال علي بن أبي بكر العلوي الشهير بالسائح الهروي المتوفى سنة ٦١١ هـ: باطنة النجف به مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(6)، وقال في موضع آخر: باطنة النجف مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و عنده جماعة من العلويين و الأشراف(7)، وقال الحسن بن محمد الديلمي: كان لمشهد علي في النجف أهمية تفوق أهمية بقية المشاهد الشريفة عند الشيعة الإمامية(8)، وقد ورد تسميته بمشهد علي ((عليه السلام) ) قبل ظهور المرقد المطهّر إلى الملأ كما هي بعد ظهوره و تشييده.


فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عند زيارته لمرقد جدّه أمير المؤمنين ((عليه السلام) ) ومعه صفوان الجمّال، فقال لصفوان: (هاهنا و اللّه مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام))، ثمّ خطّ تخطيطا، فقلت: يابن رسول اللّه ما منع الأبرار من أهل بيته من إظهار مشهده؟!، قال: (حذرا من بني مروان و الخوارج أن تحتال في أذاه)(9).

 

ثالثا: الظّهر

الظّهر من الأرض: ما غلظ و ارتفع، و البطن ما لان منها و سهل و رقّ و اطمأنّ(10)، وسمّيت النجف بهذا الاسم لارتفاع أرضها عمّا حولها. و طول هذا الظهر بمقدار طول البحر، وعرضه ما بين السدير والثويّة(11).

روى السيّد ابن طاووس، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث حدّث به: أنّه كان في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام): (أن أخرجوني إلى الظّهر فإذا تصوّبت أقدامكم فاستقبلتكم ريح فادفنوني، و هو أوّل طور سيناء ففعلوا ذلك)(12).

وأخرج أبو الفرج الأصفهاني، عن الحسن بن علي الخلاّل، عن جدّه، قال: قلت للحسن بن علي: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال: خرجنا به ليلا حتى مررنا على مسجد الأشعث، حتى خرجنا إلى الظّهر بجنب الغري(13).

 

رابعا: ظهر الكوفة

قال الأزهري: والنجفة التي بظهر الكوفة، هي كالمسنّاة تمنع ماء السيل أن يعلو منازل الكوفة ومقابرها(14)، وأخرج الديلمي، عن أحمد بن جابر، قال: نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ظهر الكوفة، فقال: (ما أحسن منظرك و أطيب قعرك، اللّهمّ اجعل قبري بها)(15).

 

خامسا: ظهر الحيرة

أخرج أبو الفرج الأصفهاني، عن الشرقي بن القطامي، قال: كان المنذر بن ماء السماء قد نادمه رجلان من بني أسد أحدهما خالد بن المضلّل و الآخر عمرو بن مسعود بن كلدة، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحفر لكلّ واحد حفيرة بظهر الحيرة، ثم يجعلا في تابوتين و يدفنا في الحفرتين ففعل ذلك بهما حتى إذا أصبح سأل عنهما فأخبر بهلاكهما فندم على ذلك و غمّه. ثم ركب المنذر حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغريّين عليهما(16).


وقال الطبري في سبب بناء قصر الخورنق: إنّ يزدجرد الأثيم بن بهرام كرمان شاه ابن سابور ذي الأكتاف كان لا يبقى له ولد، فسأل عن منزل بريء مريء صحيح من الأدواء و الأسقام، فدلّ على ظهر الحيرة، فدفع ابنه بهرام جور إلى النعمان هذا و أمره ببناء الخورنق مسكنا له و أنزله إيّاه(17).

 

سادسا: نجف الكوفة

أخرج أبو العباس عبد اللّه الحميري، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قبر أمير المؤمنين (عليه السلام). فقال: (ما سمعت من أشياخك)؟.

فقلت له: حدّثنا صفوان بن مهران عن جدّك، أنّه دفن بنجف الكوفة(18). وأخرج الشيخ الصدوق، عن محمد بن عثمان العمري، قال: سمعت أبي يقول:


سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السّلام) و أنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السّلام): (إنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه على خلقه إلى يوم القيامة، و إنّ من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، فقال (عليه السلام): (إن هذا حق كما أنّ النهار حق)، فقيل له: يا ابن رسول اللّه فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال ابني محمد، هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.


أما إنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج فكأنّي أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة(19)، وأخرج الشيخ الصدوق، عن أبان بن تغلب، قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): كأنّي أنظر إلى القائم (عليه السلام) قد ظهر على نجف الكوفة، فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله(20).

 

سابعا: النجف الحيرة

قال خليفة بن خياط: ولد علي بمكّة في شعب بني عبد المطلب، وقتل بالكوفة وصلّى عليه الحسن ابنه، ودفن في رحبة الكوفة، ويقال: بنجف الحيرة(21).

وقال المزي في ترجمة أمير المؤمنين علي (عليه السلام): واختلف في موضع دفنه، فقيل: دفن في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل: دفن في رحبة الكوفة، وقيل: دفن بنجف الحيرة موضع بطريق الحيرة(22).


وقال ابن حجر في ترجمته (عليه السلام): وقيل: دفن في قصر الإمارة، وقيل: في رحبة الكوفة، وقيل: بنجف الحيرة(23).

وأخرج ابن قولويه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: إنّي لمّا كنت بالحيرة عند أبي العباس كنت آتي قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلا و هو بناحية نجف الحيرة إلى جانب غري النعمان، فأصلّي عنده صلاة الليل و أنصرف قبل الفجر(24).

 

ثامنا: النجفة

النجفة: شبه التل.

قال الأزهري: والنجفة التي بظهر الكوفة، وهي كالمسناة تمنع ماء السيل أن يعلو منازل الكوفة و مقابرها(25)، وقال العبدري: لمّا قدم خالد بن الوليد العراق نزل بالجرعة، بين النجفة و الحيرة(26).

 

تاسعا: الملطاط

قال الأصمعي: (الملطاط)ساحل البحر، و أنشد لرؤبة: نحن جمعنا الناس بالملطاط . . . فأصبحوا في ورطة الأوراط

 

وفي حديث عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: (هذا الملطاط طريق بقيّة المؤمنين هرابا من الدجّال)(27)، وقال الجوهري: (الملطاط) حافّة الوادي و شفيره، وساحل البحر(28)، وقال ابن الأثير: فى حديث ابن مسعود (هذا الملطاط طريق بقيّة المؤمنين) هو ساحل البحر، ذكره الهروي في اللام، و جعل ميمه زائدة، وذكره أبو موسى في الميم، وجعل ميمه أصليّة(29)

و قال عاصم بن عمرو في أيام خالد بن الوليد لمّا فتح السواد و ملك الحيرة:

 

جلبنا الخيل و الإبل المهارى . . . إلى الأعراض أعراض السواد

 

و لم تر مثلنا كرما و مجدا . . . و لم تر مثلنا شنخاب هاد

 

شحنّا جانب الملطاط منّا . . . بجمع لا يزول عن البعاد

 

لزمنا جانب الملطاط حتى . . . رأينا الزرع يقمع بالحصاد

 

لنأتي معشرا ألبوا علينا . . . إلى الأنبار أنبار العباد(30)

 

عاشر: اللّسان

قال ابن قتيبة: إنّ ظهر الكوفة كان يقال له(اللسان)، وفي قول العرب: (أدلع البرّ لسانه في الرّيف)(31)، ونقل ياقوت الحموي عن ابن النجار في (كتاب الكوفة)، قال: وكان يقال لظهر الكوفة: (اللّسان)(32).

وقال الحموي: في(كتاب الفتوح) كان مقام سعد بالقادسية بعد الفتح بشهرين، ثمّ قدم زهرة بن حوية إلى العراق و اللّسان لسان البرّ الذي أدلعه في الريف عليه الكوفة اليوم والحيرة قبل اليوم.

قالوا: و لمّا أراد سعد تمصير الكوفة أشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللّسان، و ظهر الكوفة يقال له)اللّسان)و هو فيما بين النهرين إلى العين عين بني الجراء. وكانت العرب تقول: (أدلع البرّ لسانه في الريف).


الحادي عشر: خدّ العذراء (العذارى)

ذكره البلاذري، و قال: حدّثني حفص بن عمر العمري، قال: حدّثني الهيثم بن عدي الطائي، قال: أقام المسلمون بالمدائن و اختطّوها و بنوا المساجد فيها ثمّ إنّ المسلمين استوخموها واستوبؤها، فكتب بذلك سعد بن أبي وقاص إلى عمر، فكتب إليه عمر أن تنزلهم منزلا غريبا، فارتاد كويفة ابن عمر فنظروا فإذا الماء محيط بها، فخرجوا حتى أتوا موضع الكوفة اليوم فانتهوا إلى الظهر و كان يدعى)خدّ العذراء)ينبت الخزامى و الأقحوان و الشيخ و القيصوم و الشقائق فاختطّوها(34).


وأخرج المتّقي الهندي، عن الشعبي: أنّ عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن اتّخذ للمسلمين دار هجرة و منزل جهاد، فبعث سعد رجلا من الأنصار يقال له الحارث بن سلمة فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالناس فخطّ مسجدها و خطّ فيها الخطط. قال الشعبي: و كان ظهر الكوفة ينبت الخزامى و الشيح و الأقحوان و شقائق النعمان، و كانت العرب تسمّيه في الجاهلية(خدّ العذارى)، فارتادوا فكتبوا إلى عمر بن الخطاب، فكتب أن أنزلوه، فتحوّل الناس إلى الكوفة(35).

 

الثاني عشر: الرحى

ذكره الخليل الفراهيدي، قال: (الرحى) قطعة من النجف تعظم من نحو ميل مشرفة على ما حولها(36).

 

الثالث عشر: بانقيا

هي أرض بالنجف دون الكوفة. كذا ذكرها الأندلسي، و أنشد للأعشى: فما نيل مصر إذ تسامى عبابه . . . ولا بحر بانقيا إذا راح مفعما

 

وقال أيضا: قد طفت ما بين بانقيا إلى عدن . . . و طال في العجم ترحالي و تسياري

 

وقال أحمد بن يحيى ثعلب في شرحه لشعر الأعشى، عند ذكر هذا البيت: سبب بانقيا الذى سمّيت به، أنّ إبراهيم و لوطا (عليهما السّلام) مرّا بها، يريدان بيت المقدس مهاجرين، فنزلا بها، و كانت تزلزل في كلّ ليلة، و كانت ضخمة جدّا، فراسخ، فلمّا باتا بها لم تزلزل، فمشى بعضهم إلى بعض، تعجّبا من عافيتهم في ليلتهم.


فقال صاحب منزل إبراهيم: ما دفع عنكم إلا بشيخ بات عندي، كان يصلّي ليله و يبكى، فاجتمعوا إليه، فسألوه المقام عندهم، على أن يجمعوا له من أموالهم، فيكون أكثرهم مالا، فقال: لم أومر بذلك، و إنّما امرت بالهجرة. فخرج حتى أتى النجف، فلمّا رآه رجع أدراجه، فتباشروا برجوعه، و ظنّوا أنّه رغب فيما عندهم، فقال: لمن تلك الأرض-يعني النجف؟. قالوا: لنا. قال: فتبيعونيها؟. قالوا: هي لك، فو اللّه ما تنبت شيئا. فقال: لا احبّ إلاّ أن تكون شراء، فدفع إليهم غنيمات كنّ معه، و الغنم بالنبطية يقال لها: (نقيا).


وذكر إبراهيم (عليه السلام) إنّه يحشر من ولده من ذلك الظهر سبعون ألف شهيد. فاليهود تنقل موتاها إلى بانقيا، لمكان هذا الحديث(37).

ولم تزل(بانقيا) باقية من عهد إبراهيم (عليه السلام) حتى عصر خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام)، و كان أكثر سكّانها من اليهود. كما سيأتي اعتقاد اليهود في فضل دفن الموتى بالنجف لأخبار يجدونها في كتبهم و احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك.

 

الرابع عشر: دومة الكوفة

قال البكري الأندلسي: و(دومة الكوفة) هي النجف بعينه.

 

الخامس عشر: دومة (دوما)

قال عبد الرحمان السهيلي: (دومة) هي عند الحيرة، و يقال لما حولها النجف(42).

وقال ياقوت الحموي: (دوما)بالكوفة، والنجف محلّة منها.

ويقال: اسمها(دومة)(43).

 

السادس عشر: دومة الحيرة

قال ياقوت الحموي: وقد روي أنّ أكيدر كان منزله أولا بدومة الحيرة و هي كانت منازله، و كانوا يزورون أخوالهم من كلب وإنّه لمعهم وقد خرجوا للصيد إذ رفعت لهم مدينة متهدّمة لم يبق إلاّ حيطانها وهي مبنيّة بالجندل فأعادوا بناءها وغرسوا فيها الزيتون وغيره و سمّوها (دومة الجندل) تفرقة بينها و بين (دومة الحيرة)، وكان أكيدر يتردّد بينها وبين دومة الحيرة(44).

قال لويس ماسينيون عند وصفه النجف: كان اسم النجف يطلق قديما على الجزء المطل على البحيرة المالحة من ذلك اللّسان الذي تقع الكوفة في النقطة الشمالية الشرقية منه في جهة الفرات، و هذه الذروة صارت في عصر اللّخميّين تسمّى بالغري حيث كان الأمير ماء السماء قد نصب عليها عمودين (الغريّين) و على مقربة منها تأسّست القرية المسيحيّة التي سمّيت بدومة الحيرة(45).

 

السابع عشر :الجرف

الجرف: عرض الجبل الأملس.

والجرف: هو الخصب والكلأ الملتفّ، وأجرف الرجل إذا رعى إبله في(الجرف)(46).

وكان موضع النجف يطلق عليه اسم (الجرف).

قال ياقوت الحموي: (الجرف) موضع بالحيرة كانت به منازل المنذر(47).

وفي حديث أخرجه الشيخ الطوسي، بإسناده، عن مبارك الخبّاز، قال: قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): أسرجوا البغل و الحمار ـــ في وقت ما قدم و هو في الحيرة ـــ قال:فركب و ركبت حتى دخل(الجرف)، ثمّ نزل فصلّى ركعتين، ثم تقدّم قليلا آخر فصلّى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلا آخر فصلّى ركعتين، ثمّ ركب ورجع، فقلت له: جعلت فداك ما الأولتين و الثانيتين و الثالثتين؟

قال: الركعتين الأولتين موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)، و الركعتين الثانيتين موضع رأس الحسين (عليه السلام)، و الركعتين الثالثتين موضع منبر القائم (عليه السلام)(48).

 

التاسع عشر: الطّف

الطّف: ساحل البحر، و فناء الدار. و الطّف: سفح الجبل أيضا. و الطفوف: جمع طف، و هو ساحل البحر و جانب البر(49).

وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، قال الأصمعي: و إنّما سمّي طفّا لأنّه دان من الريف، من قولهم: خذ ما طفّ لك و استطفّ، أي ما دنا و أمكن.

وقال أبو سعيد: سمّي الطّف لأنه مشرف على العراق، من أطفّ بمعنى أطلّ(50).

والطّفّ: أرض بادية قريبة من الريف فيها عدّة عيون ماء جارية، منها: عين صيد والقطقطانة والرهيمة و عين جمل و ذواتها(51) ، وهي عيون كانت للموكّلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه و بين العرب(52)

 

العشرون: المجاز

جزت الطريق و جاز الموضع جوزا و جوازا: سار فيه و سلكه(53).

وقد ورد أنّ المجاز من أسماء موضع مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام).

أخرج السيّد عبد الكريم بن طاووس بإسناده، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): مضى أبي علي بن الحسين إلى قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمجاز وهو من ناحية الكوفة، فوقف عليه ثمّ بكى وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، السلام عليك يا أمين اللّه في أرضه و حجته على عباده(54)

 

الحادي والعشرون: الرّبوة

الرّبوة: كلّ ما ارتفع من الأرض(55).وهي من أسماء النجف.

أخرج ابن قولويه، بإسناده، عن سليمان بن نهيك، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، في قول اللّه عزّ و جلّ: (وَآوَيْنََاهُمََا إِلىََ رَبْوَةٍ ذََاتِ قَرََارٍ وَ مَعِين)(56) قال: (الربوة)نجف الكوفة، و(المعين)الفرات(57).

وأخرج ابن عساكر، عن محمد بن مسلم، قال: سألت الصادق عن قول اللّه عزّ و جلّ: (وَجَعَلْنَا اِبْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْنََاهُمََا إِلىََ رَبْوَةٍ ذََاتِ قَرََارٍ وَ مَعِينٍ) قال: (الرّبوة)النجف، و(القرار)المسجد، و(المعين)الفرات(58).

 

الثاني والعشرون: طور سيناء

(الطور) هو: الجبل. و قد ورد أنّ من أسماء النجف(طور سيناء).

روى السيّد ابن طاووس، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث حدّث به: إنّه كان في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام): (أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوّبت أقدامكم فاستقبلتكم ريح فادفنوني، و هو أوّل طور سيناء ففعلوا ذلك)(59).

 

الثالث والعشرون: الجودي

هو اسم للجبل وضعت عليه سفينة نوح (عليه السلام).

قال ابن رستة عند ذكر بابل: و يقال أنّ منها تفرّق ولد نوح (عليه السلام)، و هذه قرينة أنّ الجودي الذي استوت عليه سفينة نوح (عليه السلام) في النجف الأشرف كما ذكر أهل الحديث و التواريخ، لأنّ النجف عن بابل سبعة فراسخ، ففيه نزلت أولاد نوح، و منه تفرّقت(60).

وقال العلاّمة المجلسي: و يظهر من بعض الأخبار أنّ الجودي كان بقرب الكوفة، و ربّما أشعر بعضها بأنّه الغري(61).

وذكر الشيخ محمد بن طاهر السماوي في ارجوزته أنّ النجف كانت من الجودي.

 

و إنّها كانت من الجودي ... أو هو هي في خبر مروي(62)

 

الرابع والعشرون: شاطئ البحر

 

الخامس والعشرون: الجبل الأحمر

أخرج نصر بن مزاحم المنقري، عن عمر بن سعد، قال: حدّثني سعد ابن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (ما يقول الناس في هذا القبر)؟ وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله.

فقال الحسن بن علي (عليه السلام): يقولون هذا قبر هود النبي لمّا أن عصاه قومه جاء فمات ها هنا.

قال (عليه السلام): (كذبوا لأنا أعلم به منهم، هذا قبر يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، بكر يعقوب).

ثمّ قال: (ههنا أحد من مهرة)(63)؟ قال: فأتي بشيخ كبير، فقال له: (أين منزلك)؟.

قال: على شاطيء البحر.

قال: (أين أنت من الجبل الأحمر)؟.

قال: أنا قريب منه.

قال: (فما يقول قومك فيه)؟.

قال: يقولون قبر ساحر.

قال: (كذبوا ذاك قبر هود (عليه السلام)، و هذا قبر يهودا بن يعقوب بكره)(64).

أقول: و الجبل الأحمر هو النجف بعينه، و لم يزل قبر هود (عليه السلام) من الآثار المعروفة في النجف، كما سيأتي الحديث عنه في المواضع الإسلامية في النجف.

 

السادس والعشرون: ساحل بحر الملح

قال اليعقوبي عند ذكره الكوفة: و الحيرة منها على ثلاثة أميال، و الحيرة على النجف، و النجف كان ساحل بحر الملح(65).

 

السابع والعشرون: وادي السلام

ورد في أخبار كثيرة أنّ (وادي السلام) هو اسم موضع في النجف في ظهر الكوفة، منها ما رواه الشيخ الطوسي، بإسناده، عن مروان بن مسلم، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قلت له: إنّ أخي ببغداد و أخاف أن يموت فيها، قال: ما تبالي حيث ما مات أما إنّه لا يبقى أحد في شرق الأرض و لا في غربها إلاّ حشر اللّه روحه إلى وادي السلام.

قال: قلت: جعلت فداك و أين وادي السلام. ؟قال: ظهر الكوفة، أما إنّي كأنّي بهم حلق حلق قعود يتحدّثون(66).

وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يأتي النجف و يقول: (وادي السلام و مجتمع أرواح المؤمنين، و نعم المضجع للمؤمن هذا المكان).

وكان يقول: (اللّهم اجعل قبري بها)(67).

وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (ما من مؤمن يموت في شرق الأرض أو غربها إلاّ و حشر اللّه روحه إلى وادي السلام). قيل أين وادي السلام؟ قال: (بين وادي النجف و الكوفة)(68).

وأخرج الحاكم النيساوري، عن قيس بن أبي حازم، قال: خرج حذيفة بن اليمان بظهر الكوفة و معه رجل، فالتفت إلى جانب الفرات، فقال لصاحبه: كيف أنتم يوم تراهم يخرجون أو يخرجون منها لا يذوقون منها قطرة. قال رجل: و تظن ذاك يا أبا عبد اللّه؟. قال: ما أظنّه و لكن أعلمه(69).

وروى الكليني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي (عليه السلام): (أنت أخي و ميعاد ما بيني و بينك وادي السلام)(70).

وقال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في صفة القائم (عليه السلام): (كأنّني به قد عبر من وادي السلام إلى مسجد السهلة، على فرس محجّل، له شمراخ، يزهو و يدعو(71).

 

الثامن والعشرون: مقبرة براثا

أخرج جعفر بن قولويه، عن أبي الحسن الحذّاء، قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): إنّ إلى جانبكم مقبرة يقال لها: براثا، يحشر منها عشرون و مئة ألف شهيد كشهداء بدر(72).

ويظهر من العلاّمة المجلسي أنّه فهم منها مقبرة النجف(73)، و هو ما أشار له أيضا العلاّمة صاحب الجواهر في باب استحباب نقل الموتى إلى المشاهد المشرّفة(74).

 

التاسع والعشرون: الثويّة

الثّويّة أو الثّويّة: موضع إلى جانب الكوفة كان أهل البدو يأتونه أيام الربيع، و فيه قبور جماعة من الصحابة و غيرهم، و فيه ماء(75)، وقال الفيروزآبادي: (الغريّان)هما بناءان مشهوران بالكوفة عند الثويّة حيث قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)(76)، وهي في لسان البر الذي أدلعه في الريف، قال عدي بن زيد:

 

ويح أمّ دار حللنا بها . . . بين الثويّة و المردمه

 

برية غرست في السواد . . . غرس المضيغة في اللهزمه

 

لسان لعربة ذو و لغة . . . تولغ في الريف بالهندمه(77)

 

وقال الحموي: الثويّة موضع قريب من الكوفة، و قيل بالكوفة، و قيل خريبة إلى جانب الحيرة على ساعة منها، ذكر العلماء أنّها كانت سجنا للنعمان بن المنذر، كان يحبس بها من أراد قتله، فكان يقال لمن حبس بها ثوى أي أقام، فسمّيت الثوية بذلك، قال عقال يذكر الثويّة:

 

سقينا عقالا بالثويّة شربة . . . فمال بلبّ الكاهليّ عقال

 

وذكرها أبو بكر محمد بن عمر العنبرى، بقوله:

 

سل الركب عن ليل الثويّة من سرى . . . أمامهم يحدو بهم و بهم حادي(78)

 

ويظهر من العلاّمة المجلسي أنّه فهم منها مقبرة النجف(79)، و هو ما أشار له أيضا العلاّمة صاحب الجواهر في باب استحباب نقل الموتى إلى المشاهد المشرّفة(80).

قال عقال يذكر الثويّة:

 

سقينا عقالا بالثويّة شربة . . . فمال بلبّ الكاهليّ عقال

 

و ذكرها أبو بكر محمد بن عمر العنبرى، بقوله:

 

سل الركب عن ليل الثويّة من سرى . . . أمامهم يحدو بهم و بهم حادي(81)

 

وقال البكري الأندلسي: (الثويّة)موضع من وراء الحيرة، قريب من الكوفة، و كان سجنا بناه تبّع، فكان إذا حبس فيه إنسانا ثوى فيه، قال عدي بن زيد:

 

و بتن لدى الثويّة ملجمات . . . و صبّحن العباد و هنّ شيب

 

يعني: من النقع. و يروى: (الثويّة)، على لفظ التصغير، و الأول أثبت في الرواية.

 

وحكى أبو زيد أنّ الحجارة التي توضع حول البيت، يأوي إليها المال ليلا، يقال لها: (الثاية)و(الثويّة)معا، فقد يكون هذا الموضع المعروف يسمّى بهذا(82).

 

 

 المصدر: تاريخ النجف الأشرف ــ تأليف عبد الرزاق حرز الدين ج1 ص23-41.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهاية الإرب في فنون الأدب: ١/٣٧٤.

(2) معجم البلدان: ٤/٢٠٠.

(3) معجم البلدان: ٤/١٩٦.

(4) فتوح البلدان: ١/٢٧٧. الأغاني: ١٢/١٥٦.

(5) لسان العرب: مادة (شهد).

(6) الإشارات إلى معرفة الزيارات: ٨٤.

(7) نفس المصدر: ٧٧.

(8) إرشاد القلوب: ٢/٢٣١.

(9) فرحة الغري: ٧٦.

(10) لسان العرب: مادة (ظهر).

(11) تاريخ نجف و حيرة (فارسي) : ١٦٠.

(12) فرحة الغري: ٣٩.

(13) مقاتل الطالبيين: ٢٦.

(14) لسان العرب: مادة (نجف).

(15) إرشاد القلوب: ٢/٢٣٨.

(16) الأغاني: ٢٢/٩١.

(17) تاريخ الطبري: ١/٤٩٩.

(18) قرب الإسناد: ٣٦٧.

(19) إكمال الدين و إتمام النعمة: ٤٠٩.

(20) إكمال الدين و إتمام النعمة: ٦٧٢.

(21) تاريخ خليفة بن خياط: ١٥٢.

(22) تهذيب الكمال: ٢٠/٤٨٨.

(23) تهذيب التهذيب: ٧/٢٩٧.

(24) كامل الزيارات: ٨٧.

(25) لسان العرب: مادة (نجف).

(26) معجم البلدان: ٢/١٢٨.

(27) غريب الحديث: ٢/٢٩.

(28) الصحاح: ٣/١١٥٦.

(29) النهاية في غريب الحديث: ٤/٣٥٧.

(30) معجم البلدان: ٨/١٤٩.

(31) عيون الأخبار: ١/٢١٨.

(32) معجم البلدان: ٥/١٩٢.

(33) معجم البلدان: ٥/١٦.

(34) فتوح البلدان: ١/٢٧٧.

(35) كنز العمال: ١٤/١٧٠.

(36) كتاب العين: مادة (رحى).

(37) معجم ما استعجم: ١/٢٢٢.

(38) شرح نهج البلاغة: ١٤/٢٩.

(39) حلية الأولياء: ٤/١٣٩.

(40) شرح نهج البلاغة: ٤/٩٨.

(41) الكافي: ٣/٥٤٠.

(42) الروض الأنف: ٢/٣١٩. الروض المعطار في خبر الأقطار: ٢٤٥.

(43) معجم البلدان: ٢/٤٨٦.

(44) معجم البلدان: ٢/٤٨٨.

(45) خطط الكوفة و شرح خريطتها: ١٣٠.

(46) لسان العرب: مادة (جرف).

(47) معجم البلدان: ٢/١٢٨.

(48) تهذيب الأحكام: ٦/٣٤.

(49) لسان العرب: مادة (طفف).

(50) معجم البلدان: ٤/٣٥.

(51) سيأتي الحديث عن هذه العيون ضمن موضوع (عيون النجف).

(52)معجم البلدان: ٤/٣٥.

(53) لسان العرب: مادة (جوز).

(54) فرحة الغري: ٧٠. بحار الأنوار: ٩٧/٢٦٨.

(55) لسان العرب: مادة (ربا).

(56) سورة المؤمنون: الآية ٥٠.

(57) كامل الزيارات: ١٠٧.

(58) تاريخ مدينة دمشق: ١/٢١٣.

(59) فرحة الغري: ٣٩.

(60) الأعلاق النفيسة: ١٠٨.

(61) بحار الأنوار: ١١/٣٣٩.

(62) عنوان الشرف في وشى النجف: ٦.

(63) مهرة، بالفتح، ابن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، و هم حيّ من اليمن.

(64) وقعة صفين: ١٢٦.

(65) كتاب البلدان: ٧٣.

(66) تهذيب الأحكام: ١/٤٦٦.

(67) فضل الكوفة و فضل أهلها: ٧٨.

(68) إرشاد القلوب: ٢/٢٣١.

(69) المستدرك على الصحيحين: ٤/٥٤٦.

(70) الكافي: ٣/١٣١.

(71) دلائل الإمامة: ٤٥٨.

(72) كامل الزيارات: ٥٤٦.

(73) بحار الأنوار: ٩٧/٢٣٢.

(74) جواهر الكلام: ٤/٣٤٨.

(75) الجبال و الأمكنة و المياه: ٣٠. وفيات الأعيان: ٢/٥٠٦.

(76) القاموس المحيط: مادة (غرا).

(77) معجم البلدان: ٥/١٦.

(78) معجم البلدان: ٢/٨٧.

(79) بحار الأنوار: ٩٧/٢٣٢.

(80) جواهر الكلام: ٤/٣٤٨.

(81) معجم البلدان: ٢/٨٧.

(82) معجم ما استعجم: ١/٣٥٠.