تحديد موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام)
img-load

وردت روايات أهل البيت متواترة في تحديد موضع قبر أمير امير المؤمنين (عليه السلام) وأنّه في ظهر الكوفة في موضعه المتعارف في زماننا هذا، وقد كان هذا الموضع المبارك مشهورا يُزار من قبل الشيعة بعد أن دلَّ عليه الإمام الصادق (عليه السلام) ومن تلاه من الأئمة (عليهم السلام)، ونظرا لكثرة هذه الروايات بما يحقق التواتر بل بما يفوقه أكتفي ههنا بنقل نزر منها :


1-  صحيح صفوان الجمال قال : " كنت وعامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فقال له عامر : ان الناس يزعمون أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) دفن بالرحبة ، فقال : لا ، قال : فأين دفن ، قال : انه لما مات حمله الحسن ( عليه السلام ) فأتى به ظهر الكوفة قريبا من النجف ، يسرة عن الغري ، يمنة عن الحيرة ، فدفن بين ذكوات بيض ،قال : فلما كان بعد ذهبت إلى الموضع فتوهمت موضعا منه ، ثم أتيته فأخبرته ، فقال لي : أصبت رحمك الله - ثلاث مرات " (كامل الزيارات: ص34؛ الكافي: 1/ 456).


2-  معتبَر اسحاق بن جرير عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : " اني لما كنت بالحيرة عند أبي العباس كنت آتي قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ليلا وهو بناحية نجف الحيرة إلى جانب غري النعمان ، فاصلي عنده صلاة الليل وانصرف قبل الفجر " (كامل الزيارات: 37 – 38) .


3-  معتبر يزيد بن عمر بن طلحة قال : " قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) وهو بالحيرة : أما تريد ما وعدتك ؟ قلت : بلي – يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه - قال : فركب وركب إسماعيل وركبت معهما حتى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهما فصلى وصلى إسماعيل وصليت " (كامل الزيارات : 35؛ الكافي 4/ 571) . والرواية معتبرة بناء على توثيق يزيد بن عمر لأنه من مشايخ الثقات أو لوقوعه في اسانيد كامل الزيارات أو لتجميع القرائن الدالة على وثاقته والأمر فيه سهل .


4-  معتبر احمد بن محمد بن أبي نصر قال : " سألت الرضا ( عليه السلام ) فقلت : أين موضع قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال : الغري ، فقلت له : جعلت فداك ان بعض الناس يقولون : دفن في الرحبة ، قال : لا ، ولكن بعض الناس يقول : دفن بالمسجد " (كامل الزيارات : 38) وهو معتبر على القول بوثاقة محمد بن قولويه والد صاحب كامل الزيارات ، ونلاحظ أنّ الامام الرضا (عليه السلام) قد أبدى رأيه بالإرشاد الى موضع القبر المتعارف في الغري والذي أشاع أمره الإمام الصادق (عليه السلام) من قبل نافيا ما يثيره بعض الأمويين وغيرهم ويتوهمه بعض الشيعة كما سيأتي من أنه في الرحبة او في المسجد وهو ما كانوا يثيرونه أيام الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا كما مرّ عليك في صحيحة صفوان الجمال الآنفة .. واحفظ هذه الرواية جيدا إذ سنعاود الكلام عنها عمّا قريب لنبيّن كيف أن بعض الكتّاب دلّس فيها للتخليط على الناس .


5-  رواية الحسين الخلال عن جده قال : " قلت للحسين بن علي ( عليهما السلام ) : أين دفنتم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال : خرجنا به ليلا حتى مررنا على مسجد الأشعث ، حتى خرجنا إلى ظهر ناحية الغري " .


6-  رواية الحسن بن الجهم عن الإمام الكاظم (عليه السلام) حيث اشتكى فيها للامام (عليه السلام) من يحيى الذي كان يتعرض لزوار قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيها وصف دقيق لمكان القبر الشريف وهذا نصها: " ذكرت لأبي الحسن ( عليه السلام ) يحيى بن موسى وتعرضه لمن يأتي قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وانه كان ينزل موضعا كان يقال به الثوية يتنزه إليه ، الا وقبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فوق ذلك قليلا ، وهو الموضع الذي روى صفوان الجمال ان أبا عبد الله وصفه له ، قال له فيما ذكر : إذا انتهيت إلى الغري ظهر الكوفة ، فاجعله خلف ظهرك وتوجه إلى نحو النجف ، وتيامن قليلا ، فإذا انتهيت إلى الذكوات البيض والثنية امامه فذلك قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وانا اتيته كثيرا ، ومن أصحابنا من لا يرى ذلك ويقول : هو في المسجد ، وبعضهم يقول : هو في القصر ، فارد عليهم بان الله لم يكن ليجعل قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في القصر في منازل الظالمين ، ولم يكن يدفن في المسجد وهم يريدون ستره ، فأينا أصوب ، قال : أنت أصوب منهم ، اخذت بقول جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) " (كامل الزيارات 85) ومن هذا تعرف أنه بعد استشهاد الامام الصادق (عليه السلام) ظلت روايات تشخيصه للقبر الطاهر مشهورة وعليها المعوّل بين الأصحاب .


7-  وفي رواية عمرو بن عبد الله الجهني (ابو مطر) قال الإمام علي (عليه السلام) للامام الحسن (عليه السلام) بعد أن أصابه ابن ملجم : " إذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح ( عليهما السلام ) " (تهذيب الأحكام: 6/ 34) فالإمام ع أوصى أن يُدفن في ظهر الكوفة أي في الغري لا في الرحبة ولا المسجد ولا المدينة . وقد روى الشيخ الطوسي (قدس سره) في التهذيب هذه الوصية بأكثر من سند وبألفاظ متقاربة فراجع .


8-  وفي رواية جابر الجعفي أنّه سأل الامام الباقر (عليه السلام) عن موضع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له : " دُفن بناحية الغريين، ودُفن قبل طلوع الفجر" (الإرشاد، الشيخ المفيد 1/25).


9-  وفي رواية حسين بن ابي العوجاء الطائي إذ نزل عنده الامام الصادق عليه السلام راجعاً من كربلاء المقدسة فسأله الطائي: " جُعلت فداك، بأبي أنت وأمي هذا القبر الذي اقبلتَ منه قبر الحسين (عليه السلام) ؟ قال الامام الصادق (عليه السلام) : إي والله يا شيخ حقا ولو أنّه عندنا لحججنا إليه . (الحج لغة يعني القصد)، فقال الطائي (وهو كوفي) : فهذا الذي عندنا في الظَهر (ظهر الكوفة = الغري) أهو قبر أمير المؤمنين؟ قال الإمام (عليه السلام): إي والله يا شيخ حقا ولو أنه عندنا لحججنا إليه " . (فضائل أمير المؤمنين ، ابن عقدة الكوفي : 140) .


هذه نبذة من روايات كثيرة كلها تدل على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد دفن في مرقده الفعلي في زماننا في ظهر الكوفة وهذا هو الرأي المتسالم عليه بين أهل البيت (عليهم السلام) من دون مخالف منهم يُذكَر، وبه كانوا يعملون إذ زاره في هذا الموضع كل من الأئمة السجاد والباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام) كما في كامل الزيارات وغيره من المصادر المعتبرة وقد وصلنا هذا التشخيص عنهم بالتواتر المفيد للقطع وتلقاه أصحابهم في زمانهم وعملوا به فكانوا يزورون هذا القبر الشريف في موضعه الفعلي الآن ويدل على ذلك نصوص تاريخية وروائية كثيرة أذكر لك نموذجا واحدا منها :


روى ابن قولويه عن عبد الله بن سنان ، قال : اتاني عمر بن يزيد ، فقال لي : اركب ، فركبت معه ، فمضينا حتى نزلنا منزل حفص الكناسي ، فاستخرجه فركب معنا ، فمضينا حتى اتينا الغري ، فانتهينا إلى قبر ، فقال : أنزلوا هذا القبر قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقلنا له : من أين عرفت هذا ، قال : اتيته مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) حيث كان في الحيرة غير مرة ، وخبرني انه قبره " (كامل الزيارات ص82 ، الكافي : 1/ 273) .


وقد روى أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد المعروف بابن أبي الدنيا والمتوفى سنة 281 هـ في كتابه مقتل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ص 79 وتحت عنوان (موضع دفن علي رحمة الله عليه): حدثني أبي رحمه الله عن هشام بن محمد، قال: قال لي أبو بكر بن عياش: سألت أبا حصين وعاصم بن بهدلة والأعمش وغيرهم فقلت: هل أخبركم أحد أنه صلى على علي أو مشهد دفنه؟

قالوا: لا، فسالت أبا محمد بن السائب، فقال: أخرج به ليلاً خرج به الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر وعدة من أهل بيته فدفن في ظهر الكوفة. قال (أبو بكر ابن عياش): فقلت لأبيك :لم فعل به ذلك؟

قال: مخافة أن تنبشه الخوراج أو غيرهم. (أنتهى).

ورواه ابن عساكر في تاريخه (تاريخ مدينة دمشق) 3: 376 برقم 1438 من ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام).. والمراد بظهر الكوفة أو ناحية الغري كما في معجم البلدان لياقوت الحموي أو كتاب العين للمفضل هو أرض النجف، مدفنه (عليه السلام) في الوقت الحاضر.

وأيضاً ذكر ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 234 الأقوال الواردة في مدفنه (عليه السلام) واستظهر منها أنه مدفون في النجف.